الـحجـب
معرفة باب الحجب مهمة لطالب علم الفرائض ، ذلك لأن ثمرة هذا العلم هي إيصال الحقوق إلى مستحقيها ، ومن لا يعرف باب الحجب قد يخطئ فيورث من لا يستحق الإرث ويحرم من يستحقه ، ولهذا قال بعض العلماء : « لا يحل لمن لا يعرف باب الحجب أن يفتي في الفرائض » .
الحجب لغة : المنع ، نقول حجبه إذا منعه من الدخول ، ومنه قيل للستر حجاباً ؛ لأنه يمنع من المشاهدة . الحجب اصطلاحاً : منع من قام به سبب الإرث من الإرث بالكلية ، أو من أوفر حظّيْه . بناء على هذا التعريف ، فإن منع من لم يقم به سبب الإرث من الإرث لا يسمى حجباً اصطلاحاً .
ينقسم الحجب إلى قسمين : حجب بالأوصاف . حجب بالأشخاص .
الحجب بالأوصاف ، يعني منع من قام به سبب من أسباب الإرث « هي النكاح أو النسب أو الولاء » ، من الإرث بسبب وصف قام به فمنعه من الإرث . موانع الإرث التي تمنع الوارث من الإرث ثلاثة هي : الرق . القتل . اختلاف الدين . هذا النوع من الحجب – حجب الأوصاف – يمكن أن يدخل على جميع الورثة . والمحجوب بوصف لا يحجب غيره من الورثة ، فوجوده كعدمه ، ويسمى المحجوب بالوصف « محروماً » .
حجب الأشخاص ، يعني منع الوارث من الميراث كله ، أو من بعضه بشخص لا بوصف ، أي لقيام شخص أقرب منه إلى الميت . والمحجوب بشخص قد يحجب غيره حجب نقصان ، كالإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس وإن كانوا محجوبين بالأب . أنواع الحجب بالأشخاص : حجب الحرمان . حجب النقصان .
حجب الحرمان : هو منع الوارث من إرثه بالكلية ، مثل حجب ابن الابن بالابن . قواعد في حجب الحرمان : القاعدة الأولى : جميع الورثة يمكن أن يحجبوا حجب حرمان ، ما عدا الوالدين « الأب والأم » ، والولدين « الابن والبنت » ، والزوجين « الزوج والزوجة » . القاعدة الثانية : كل من أدلى بواسطة حجبته تلك الواسطة ، وبعبارة أخرى : من أدلى بوارث وقام مقامه في استحقاق إرثه سقط به ، وإن أدلى به ولم يرث ميراثه لم يسقط به . مثال ذلك : ابن الابن مدل بالابن ، فإذا اجتمع معه في مسألة حجبه الابن من الميراث . الجد مدل بالأب ، فإذا اجتمع معه في مسألة حجبه الأب من الميراث . يستثنى من ذلك صنفان : ولد الأم – ذكراً كان أو أنثى – يدلي بالأم، ومع ذلك يرث مع وجودها. الجدة أم الأب تدلي بالأب ، ومع ذلك ترث مع وجوده . القاعدة الثالثة : الأصول لا يحجبهم إلا أصول ، والفروع لا يحجبهم إلاّ فروع ، والحواشي يحجبهم أصول وفروع وحواشي . أمثلة ذلك : ابن الابن ، يحجبه الابن ، وابن الابن الذي هو أعلى منه . الجد ، يُحجب بالأب ، وكل جد بعيد يُحجب بالجد القريب . ابن العم لأب ، يحجبه ابن العم الشقيق ، كما يُحجب بمن يُحجب ابن العم الشقيق . وبيان ذلك في الجدول التالي :
إن الذين لا يحجبون حجب حرمان من الورثة ستة هم « الأب والأم ، والبنت والابن والزوج والزوجة » وما عداهم فإنهم يحجبون حجب حرمان ، وبيان حجبهم كالتالي : الجد : وهو محجوب عن الميراث بالأب مطلقاً ، أي سواء كان هذا الجد وارثاً بالفرض ، أو بالتعصيب ، أو بهما ، وذلك أن الأب أقرب إلى الميت ، من الجد ، والجد إنما أدلى إلى الميت بالأب ، ومن أدلى إلى الميت بواسطة حجبته تلك الواسطة . الجدة مطلقاً : فإنهما تحجب بالأم ، سواء كانت جدة من جهة الأب ، أو جدة من جهة الأم ؛ لأن الجدات يرثن بالولادة ، فالأم أولى منهن بمباشرتها الولادة ، كما أن الجدة أم الأب تحجب أيضاً بالأب ؛ لأنها أدلت إلى الميت به . الجدة البعيدة من جهة الأب : إذا كان للميت جدتان ، وقد اختلف نسبهما من حيث الجهة والدرجة ، وذلك بإن كانت إحداهما من جهة الأب ، والأخرى من جهة الأم ، وكانت إحداهما أقرب إلى الميت من الأخرى ، كأم أم ، وأم أم أب ، فإن القريبة من جهة الأم تحجب البعيدة من جهة الأب قطعاً ، وتأخذ السدس وحدها ؛ لأن لها قوتين ، قرب الدرجة ، وكونها من جهة الأم ، لأن الأم هي الأصل ، والجدات فرع لها . وإن كانت الجدة من جهة الأب ، هي القريبة ، والتي من جهة الأم هي البعيدة ، كأم أب ، وأم أم أم ، فإن الأظهر – في مذهب الشافعي – أنها لا تحجب ، بل ترثان معاً السدس ؛ لأن الأب لا يحجبها في هذه الحالة ، فالجدة التي تُدْلي به أولى أن لا تحجبها . جاء في الرحبية :
ولد الابن : يُحجب أولاد الابن ، ذكوراً أو إناثاً بالابن ، سواء كان الابن الوارث أباهم ، أو عماً لهم ، لإدلائهم به ، أو أنه عصبة أقرب منهم . وهكذا كلُّ ولد ابن ، يحجب من هو أبعد منه ، وتزيد بنات الابن أنهن يحجبن بالبنتين إلاّ إذا كان معهن من يعصبهن من أبناء الابن سواء كان في درجتِهن ، أو هو أسف منهن . الإخوة والأخوات : يُحجب الإخوة والأخوات سواء أكانوا من الأبوين ، أم من الأب ، أم من الأم : بالأب . أو بالابن ، وإن نزل كابن الابن . ذلك لأن الله تعالى جعل إرثهم بالكلالة ، وهي اسم لمن عدا الوالد والولد ، وهذا حكم ثابت باجماع العلماء ؛ لأن جهة البنوة والأبوة مقدمة على جهة الأخوة . استثناء : يستثنى من هذا الجد ، فإنه لا يحجب الأخوة الأشقاء والأخوات الشقيقات ، وكذلك الأخوة لأب ، والأخوات لأب ، بل يرث وأباهم ، لكونهم سواء في القرب إلى الميت ، وهم أيضاً لم يُدلوا به إلى الميت . الإخوة لأب ، والأخوات لأب : الإخوة لأب والأخوات لأب إضافة أنهم يحجبون بالأب ، والابن ، وابن الابن ، أيضاً الأخ الشقيق ، والأخت الشقيقة إذا كانت مع البنت أو بنت الابن ؛ لأنها تصير عصبة مع الغير ، وتصبح كالأخ الشقيق . والأخوات لأب يحجبن أيضاً بالأختين الشقيقتين ، إلاّ إذا كان معهن أخ لأب ، فإنه يعصبهن ويرثن معه . الأخ لأم : الأخ لأم يُحجب إضافة إلى الأب ، والابن ، وابن الابن : البنت . وبنت الابن . والجد . وهذا الحكم ثابت بالاجماع . أما الأم فلا تحجب الأخ لأم ، وإن أدلى بها ، لأن شرط حجب المُدْلي بالمُدْلَى به : إما اتحاد جهتهما ، كجد مع الأب ، والجدة مع الأم . أو استحقاق المُدْلى به كل التركة لو انفرد ، كالأخ مع الأب . والأم مع ولدها ليست كذلك ، لأنها ترث بالأمومة ، والأخ من الأم يرث بالأخوة ، والأم لا تستحق كل التركة لو انفردت ، بل تأخذ الثلث فقط . أبناء الإخوة الأشقاء ، أو أبناء الإخوة لأب : فإنهم يحجبون : الأب ، لأنه يحجب آباءهم ، فحجبه لهم أولى . الجد ، لأنه في درجة آبائهم . الابن ، لأنه يحجب آباءهم ، فحجبه لهم أولى . ابن الابن ، لأنه يحجب آباءهم أيضاً ، فحجبه لهم أولى . الأخ الشقيق ، لكونه أقرب منهم . الأخ لأب ، لكونه أيضاً أقرب منهم . ابن الأخ لأب : ابن الأخ لأب يزيد على من يحجبونه ابن الأخ الشقيق ، ولكنه أقوى منه . أولاد الإخوة من الأم : أما أولاد الإخوة من الأم ، ذكوراً وإناثاً ، فإنهم من ذوي الأرحام ، لا يرثون بالفرض . العم الشقيق ، أو العم لأب : هؤلاء يحجبهم : الأب . الابن . الجد . ابن الابن وإن نزل . الأخ الشقيق . الأخ لأب . ابن الأخ الشقيق . ابن الأخ لأب . الأخت الشقيقة ، إذا كانت مع البنت ، أو بنت الابن ، لأنها عصبة مع الغير ، بمنزلة الأخ الشقيق . الأخت لأب ، إذا كانت أيضاً مع البنت ، أو بنت الابن ، لكونها عصبة مع الغير ، كما في الأخت الشقيقة . أولاد العم الأشقاء ، أو أولاد العم لأب : هؤلاء يحجبهم : الأب . الجد . الابن . ابن الابن وإن نزل . الأخ لأب . الأخ لأب . ابن الأخ الشقيق . ابن الأخ لأب . الأخت الشقيقة ، إذا كانت مع البنت ، أو بنت الابن ، لأنها عصبة مع الغير ، بمنزلة الأخ الشقيق . الأخت لأب ، إذا كانت أيضاً مع البنت ، أو بنت الابن ، لكونها أيضاً عصبة مع الغير ، كما في الأخت الشقيقة . العم الشقيق . العم لأب . ابن العم لأب : ابن العم لأب يحجبه إضافة لما ذكر ابن العم الشقيق .
حجب النقصان : هو منع الوارث من أوفر حظيْه . أقسام حجب النقصان : حجب نقصان سببه الانتقال . حجب نقصان سببه الازدحام .
أنواع هذا القسم من حجب النقصان أربعة هي : الانتقال من فرض إلى فرض أقل منه . مثال ذلك : انتقال الأم من الإرث بالثلث إلى الإرث بالسدس عند وجود الفرع الوارث ، أو الجمع من الإخوة . الانتقال من فرض إلى تعصيب أقل منه . مثال ذلك : انتقال الأخت الشقيقة من النصف إلى الإرث بالتعصيب عصبة بالغير مع أخيها الشقيق . الانتقال من تعصيب إلى فرض أقل منه . مثال ذلك : انتقال الأب من الإرث بالتعصيب إلى الإرث بالفرض مع وجود الفرع الوارث الذكر . الانتقال من تعصيب إلى تعصيب أقل منه . مثال ذلك : انتقال الأخت لأب من كونها عصبة مع الغير إلى كونها عصبة بالغير .
أنواع هذا القسم من حجب النقصان ثلاثة هي : الازدحام في الفرض . مثاله : اجتماع بنتين فأكثر في الثلثين ، فإن الثلثين فرض البنتين فأكثر ، فكلما زاد عدد البنات قل نصيب الواحدة منهن ، حيث يشتركن في الثلثين مهما كان عددهن . الازدحام في التعصيب . مثاله : لو توفي شخص عن ابنين فأكثر ، فإنهما يشتركان في جميع المال ، وكلما زاد عددهم نقص نصيب كل واحد منهم . ازدحام الفروض في المسألة ، وهي خاصة بمسائل العَوْل .
حجب النقصان يصيب كل الورثة : – فالزوج يُحجب من النصف إلى الربع لوجود الولد . – الزوجة تحجب من الربع إلى الثمن لوجود الولد أيضاً . – الأم تحجب من الثلث إلى السدس لوجود الولد ، أو العدد من الإخوة . – وبنت الابن تحجب مع البنت من النصف إلى السدس . – والأخت لأب تحجب من النصف إلى السدس مع الأخت الشقيقة . – والابن يحجب نقصاناً بمزاحمة ابن آخر له . وهكذا باقي الورثة .
ولا بد من الإشارة إلى أن المحجوب حجب حرمان يعدّ بالنسبة لغيره كأنه موجود ، ويحجب غيره حجب نقصان . مثال ذلك : لو مات شخص وترك جداً ، وأماً ، وأخوين لأم محجوبين بالجد ، ومع ذلك ، فإنهما – الأخوين لأم – يحجبان الأم من الثلث إلى السدس . وكذلك لو مات شخص عن أخ شقيق ، وأخ لأب ، وأم ، فإن الأم تأخذ السدس لوجود عدد من الإخوة ، ولو كان الأخ لأب محجوباً بالأخ الشقيق .
أما المحجوب بالوصف كالقاتل ، أو الكافر ، أو الرقيق ، فإنه لا يحجب أحداً حجب حرمان ، ولا حجب نقصان ، بل وجوده وعدم وجوده سواء . مثال ذلك : فلو كان للميت ابن قاتل وأم ، فإن الأم تأخذ الثلث ، مع وجود هذا الابن القاتل ، لأنه محروم من الميراث بسبب القتل ، ولذلك لا يحجب أحداً .
قال الرحبي في منظومتة الرحبية فيما يخص الحجب :
معدلاً : ميلاً . سيّان : سواء . احتياط : تثبت . وافياً : كاملاً . |
بارك الله فيكم..ونفع بعلمكم